أسماء المدينة المنوّرة ونعوتها (بخش اول)
9 فوریه 2008
میقات حج عربي
المدينة، وما أدراك ما المدينة؟! منار الإسلام، ورايةُ الإيمان … مأوى الرسول الكريم، ومثواه ومسراهُ إلى الرفيق الأعلى، مختلف الملائكة ومهوى أفئدة العارفين والمسلمين، ومنشأ زعامة الصالحين في مشارق الأرض ومغاربها.
فيها يرقد الرسولُ (صلى الله عليه وآله)، وابنته الزهراء البتول (عليها السلام)، وأبناؤُه الأئمة الطاهرون؛ أبو محمّد الحسن بن عليّ المجتبى، وأبو الحسن عليّ بن الحسين السّجاد زين العابدين، وأبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر، وأبو عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليهم السلام) إلى جانب كوكبة من أجلّة الصحابة والتابعين وأعيان المدينة.
وقد دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهذا البلد الأمين وأهله فقال: «اللهمّ بارك لنا في مدينتنا، اللهمّ بارك لنا في صاعنا … ثمّ قال: والّذي نفسي بيده ! ما من المدينة شِعب ولا نَقب إلاّ عليه ملكان يحرسانه»1.
وللمدينة أسماء عديدة ومتنوّعة، وهذه الأسماء المتظافرة تدلّ على عظمة المدينة وشوكتها لأنّها موضوعة لمفاهيم عَميقة، ومبتنية على ما ورد حول المدينة من الآيات والأحاديث، وسنذكر بعضها ضمن العناوين التالية:
على أننا نكتفي هنا بذكر تسعين اسماً من أسماء المدينة، المنورة2 ونرتّبها حسب تسلسل حروف المعجم.
1 ـ أَثْرِب:
فهي لغة في «يثرب» حيث تنوب الهمزةُ عن الياء، وقد ذكر الشعراء ذلك كثيراً3، وسيأتي تفصيلها في «يثرب».
2 ـ أَرضُ الله:
ذكر بعض المفسّرين من العامّة مثل الثعلبي، ومقاتل ومجاهد في تفسير الآية الكريمة (… ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها …)4 أنّ المراد من «أرض الله» المدينة5.
وقال آخرون من الشيعة والسنة: إنّ «أرض الله» مطلق البلاد، سواء كانت المدينة أو غيرها التي تقدرون فيها على إقامة أمور الدين6، وجاء في الميزان: وهذا يناسب سعة الأرض، ولولا فرض السعة لكان يقال: فتهاجروا منها7.
3 ـ أَرضُ الهِجْرَة:
هي بلدة، هاجر النبيُّ (صلى الله عليه وآله) وأصحابه من مكّة المكرمة إليها، وسُمِّي هؤلاء بـ (المهاجرين) والذين احتضنوهم بـ (الأنصار). هذا مضافاً إلى أنّ هذا الاسم ورد في الحديث النبويّ كما نقله الطبراني في الأوسط حيث قال: قال رسولُ الله (صلى الله عليه وآله): «المدينة قُبّة الإسلام، ودار الإيمان، وأرض الهجرة، ومَبْوَأ الحلال والحرام»8. وأيضاً سمّيت المدينة بـ «دار الهجرة».
4، 5ـ أَكَّالَةُ القُرَى . وأيضاً يعبّر عنها بـ «أَكَّالَةُ البُلْدَان» :
وجاء في حديث عن مالك بن أنس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أُمِرتُ بقرية تأكل القرى»9 أي: أمرتُ بالهجرة إليها واستيطانها.
وقد ذكر أهل الحديث وجهين لهذه الرواية:
أ ـ كانت المدينة مركزاً لجيوش الإسلام، وقد نصر الله دينه بأهلها، فمنها فتحت القرى، وغنمت أموالها وسباياها وأسراها.
ب ـ كان أكل المدينة وقوتها من القرى المفتتحة، وهذه القرى تُماير الطعام وتسوق إليها غنائمها10.
فقد غلبت المدينة وأهلها على البلاد والقرى المجاورة والبعيدة، بواسطة الإسلام ونصرة الله ـ عزّ وجلّ ـ فسميّت أكّالة البلدان أو أكّالة القرى.
6 ـ الإيمَان:
جاء في تفسير البيضاوي ذيل الآية الكريمة (والذين تبوّؤُا الدار والإيمان من قبلهم …)11 سَمّى الله «المدينة» بالإيمان; لأنّ المدينة وأهلها كانوا مظهر الإيمان ومصيره12.
ونقل ابن شُبّة حديثاً عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، قال: سمّى اللهُ المدينةَ: الدّار والإيمان13.
7، 8 ـ البارَّةَ، البَرَّة:
هاتان الكلمتان مترادفتان، ويقصد بهما زيادة الخير والبركة التي تتناول المدينة وأهلها خصوصاً، ومنها تنتشر إلى سائر البلاد عموماً، وأنّها منبع الفيض والبركات.
قال السمهودي: يقال للمدينة: البرَّةْ، إذ هي منبع الأسرار، وإشراق الأنوار، وبها العيشة الهنيئة، والبركات النبويّة14.
9، 10، 11، 12 ـ البَحْر، البَحْرَة، البَحِيرَة، البُحَيْرَة:
تطلق هذه اللغات الأربع على المدينة المنوّرة. نقل الزركشي15 ثلاث منها، والرابعة تصغير لما قبلها، وقال ياقوت الحموي: الاستبحار والبحر: السعة لأنّها بمتّسع من الأرض. ولما قال سعد بن عُبادة، ـ حينما دخل النبيّ (صلى الله عليه وآله) بيته لعيادته في مرضه، وأنّه (صلى الله عليه وآله) شكا ممّا سمع عن عبد الله بن أبيّ بن سلول: ولَقَدْ اصطلحَ أهل هذه البُحَيْرَة أن يُتَوجُوهُ فَيُعْصِّبُوهُ بالعِصابَةِ16.
البُحَيْرَة: مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي تصغير البَحْرَةْ17. وهكذا يقال: هذه بَحْرَتُنا أيْ أرضنا. وقال القاضي أبو عليّ: البَحِيرة (بفتح الباء) مكبرة وهي مدينة النّبي (صلى الله عليه وآله)18.
13 ـ البَلاَط:
هو كلُّ أرض فُرشت بالحجارة والآجر، أو الحجارة المفروشة في الدار أو غيرها. والبَلاطَةُ الحَمْراء: هي حجر يُسمّى حجر السماق، ولد عليها عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في بيت الله الحرام، وقد كانت في وسط الكعبة ثم غيّرت في ضلع البيت عند الباب19، فقال الحاكم النيشابوري حول وليد الكعبة عليّ (عليه السلام): فقد تواترت الأخبار، أنَّ فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ كرّم الله وجهه ـ في جوف الكعبة20.
وأنشد صاحب وسائل الشيعة الشيخ الحرّ العاملي (رحمه الله) أرجوزة قيّمة طويلة ونحن نكتفي برباعية منها:
مَوْلِدُه بِمَكَّة قد عُرِفا / في داخِلِ الكَعْبَةِ زِيدَتْ شَرَفا
عَلى رُخامة هناك حَمْرا / معروفة زادت بذاك قَدرا21
ويطلق على المدينة «البَلاطُ» لكثرة الأحجار فيها أو لاشتمال المدينة على موضع معروف ـ وكان سوقاً ـ يصلّى فيه على الجنائز على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله)22 يُسمّى «البَطْحاء».
وقال الفيروز آبادي: هو موضع بين مسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله) وسوق المدينة23.
فإطلاق «البَلاط» على المدينة إمّا مجازاً من تسمية الشيء باسم جزئه، أو من حيث إن «المدينة» أرض أكثرها من الأحجار.
14 ـ البَلَد:
هو المدينة كما ذكره القُرطبي في تفسير الآية الشريفة: (لا أقسم بهذا البلد * وأنت حلٌّ بهذا البلد)24 ونقل قول الواسطي لتبيين الآية بهذه العبارة.
قال الواسطي: أيْ: نحلف لك بهذا البلد الّذي شرّفتَه بمكانك فيه حيّاً، وبركتك ميّتاً، يعني المدينة25.
ورجّح القاضي ـ عياض بن موسى اليحصبي السبتي ـ هذا القول، وإن اتّفق أكثر المفسّرين على أنّ البلد في الآية المذكورة: مكّة المكرّمة26.
15 ـ بَلَدُ رسولِ الله:
هذه الكلمة من أسماء المدينة كما رواه البزّاز ـ العالم الحنفي ـ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ الشياطين قد يئست أن تعبد ببلدي هذا ـ يعني المدينة ـ وبجزيرة العرب، ولكن التحريش27بينهم»28.
البَلَد في هذا الحديث النبويّ ينسب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأطلق على المدينة; لأنها بلد رسول الله (صلى الله عليه وآله) …
16 ـ بَيْتُ رسُولِ الله:
عُبّر عن المدينة المنوّرة بالبيت في الآية الكريمة حيث قال: «عزّ مَن قائل»: (كما أخرجك ربّك من بيتك بالحقّ وإنَّ فريقاً من المؤمنين لكارهون)29.
هذه الآية نزلت في غزوة بدر، حينما كره الناس أن يخرجوا من المدينة لمحاربة المشركين، فأمر الله نبيّه بالخروج من المدينة مع أنّه صعب وكُره للمؤمنين30.
وفي هذه الآية كلمة «بيت» أُضيفت إلى ضمير الخطاب «ك»، فالآية نسبت البيت ـ المدينة ـ إلى صاحبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيصير معناها: بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
17 ـ التِّين:
هو فاكهة معروفة يؤكل رطباً ويابساً31، والتين هو اسم للسورة الخامسة والتسعين من السور القرآنية، قال الله عزّ وجلّ: (والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين)32.
وقال أبو الحسن الأوّل في تفسير الآيات: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «انّ الله ـ تبارك وتعالى ـ اختار من كلّ شيء أربعة إلى أن قال: واختار من البلدان أربعة فقال تعالى: (والتين والزيتون …) فالتين: المدينة، والزيتون: بيت المقدس، وطور سينين: الكوفة، وهذا البلد: مكّة»33.
18، 19، 20، 21 ـ جُبَار، الجَابِرَة، الجَبَّارَة، المَجْبُورَة:
هذه اللغات الأربع تطلَق على المدينة، أمّا الأولى: فهي على وزن جُذام كما نقلها ابن شبّة حيث ذكر روايةً نبويّة34 وسنذكرها قريباً. وأمّا اللغات الثلاث الأخيرة: فهي مرويّة عن التوراة حسب ما ذكرها السمهوديّ وابن شبة35.
وهذه الأسماء الأربعة تشترك معنىً حيث إنّ المدينة تجبر الكسير، وتغني الفقير، وتجبر البلاد على الإسلام، أو لأن الإنسان حينما يطالع ويدرس بركاتها يذعن قهراً.
22، 23 ـ جَزِيرَة، جَزِيرَةُ العَرَب:
قال بعض العلماء في الحديث النبويّ: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» المقصود بها هي المدينة36 ويؤيد هذا القول ما ذكر في حديث العباس: إنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله) التفتَ إلى المدينة وقال: «إنَّ الله ـ تعالى ـ قد برّأ هذه الجزيرة من الشرك»37.
24 ـ الجُنَّة:
وهي وسيلة الوقاية والمحافظة على الشيء، وهذا الاسم مأخوذ عن قول الرسول (صلى الله عليه وآله) في غزوة أُحد حيث قال (صلى الله عليه وآله): «أنا في جُنَّة حصينة» وأراد (صلى الله عليه وآله) بها «المدينة»38. ورواه أحمد بن حنبل مع اختلاف يسير عن جابر بن عبد الله الأنصاري كما يلي، قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «رأيتُ أنّي في درع حَصِينَة، ورأيت بَقراً تُنْحَرُ، فأوَّلتُ أنّ الدّرع الحصينة: المدينة، وأنّ البقر، بقر، والله خير»39.
قال الشاعر:
هي جُنَّتي ممّا أخافُ وجَنَّتي / وبجاه من فيها تُخَلَّصُ مُهْجَتِي40
25، 26، 27، 28 ـ الحَبِيْبَة، المُحِبَّة، المُحَبَّبَة، المَحْبُوبَة:41
هذه الهيئات الأربع من مادّة واحدة هي: حَبَبَ. وقد جرت على لسان الناس وأُطلقت على المدينة وهي مأخوذة عن الرواية النبويّة وهي:
«اللهمّ حبّب إلينا المدينة كما حبّبت إلينا مكّة أو أشدّ»42 ، وفي كتب الحديث روايات كثيرة تتضمّن حبَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ودعاءه للمدينة ولأهلها.
قال الشاعر:
دارُ الحَبِيبِ لَنا فَلُذْ بِرَحِيبِها / فَالنَّفْسُ مُولِعَةٌ بِدارِ حَبِيبِها
اللهُ شَرَّفَها بِهِ لِنَصِيبِها / واخْتَصَّها بِالطيِّبينَ لِطِيبِها
واخْتارَها وَدَعا إلى سُكْناها43
29، 30 ـ الحَرَم، المُحَرَّمَة:
وهما يطلقان على مكان مخصوص ينبغي بل يجب احترامه، وتقديسه وصيانته، ويحرم انتهاكه وهدمه، والمدينة هي من أبرز مصاديق الحرم. فقد روى امير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى فيها محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين …»44.
وروى جميل بن درّاج عن الصادق (عليه السلام) نفس الرواية المتقدمة مع زيادة: سُئِل الصادق (عليه السلام): ما الحدث؟ قال (عليه السلام): القتل45.
وبهذه القرينة نستطيع أن نقول: الُمحدِث هو القاتل، وأيضاً ورد في حديث آخر: المدينة حرم كما حكى سهل بن حنيف وقال: أهوى رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) بيده إلى المدينة فقال: «إنّها حرمٌ آمنٌ»46.
ويطلق على المدينة المحرّمة كما ذكرناه آنفاً.
31 ـ حَرَمُ رسُولِ الله:
إنّه اسم آخر للمدينة لأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) نسب «الحرم» إلى نفسه فقال(صلى الله عليه وآله): «إنّ مكّة حرم الله، حرّمها إبراهيم (عليه السلام)وإنّ المدينة حرمي ما بين لابِتَيْها حَرَم»47.
ومضافاً إلى هذه الرواية النبويّة فقد وصفها أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلا: «مكّة حَرَمُ الله، والمدينةُ حَرَمُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) والكوفة حرمي، لا يريدها جَبّارٌ بحادثة إلاّ قصمه الله»48.
32 ـ حَسَنَة:
وهي اسم للمدينة لقوله ـ تعالى: (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظُلِموا لنُبوِّئَنَّهم في الدنيا حسنة …)49. روى الطبرسي عن ابن عباس (رحمه الله) أي بَلْدَةً حسنةً بدل أوطانهم وهي المدينة50.
وأيضاً روى الفخر الرازي51 عن الحسن والشعبي وقتادة ما ذكره الطبري، ونقل القُرطبي عن الجميع نفس ما قدّمناه52.
33، 34 ـ الخَيِّرَة، الخِيَرَة:
المدينة ذات خيرات كثيرة وهي مقبولة لدى الناس عامةً، ونبّه النبيّ (صلى الله عليه وآله)الناس عليها حينما قال (صلى الله عليه وآله): «المدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون»53. ومن ثمَّ سمّيت المدينة بهما ـ الخَيِّرَة، الخِيَرَة ـ .
35 ـ دَارُ الأَبْرَار:
بعدما هاجر النبيّ (صلى الله عليه وآله) من مكّة إلى المدينة واستقرّ فيها، اجتمع المهاجرون والأنصار وازدادوا يوماً بعد يوم خصوصاً في السنة السابعة من الهجرة ـ حينما فتحت قلاع خيبر ـ فخرجت المدينة من جاهليّتها السابقة وأصبحت دار الأبرار54.
36، 37 ـ دَارُ المُخْتَار، المُخْتَارَة:
المدينة هي الموطن الثاني لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث اختارها وأقام (صلى الله عليه وآله) فيها العقد الأخير من عمره الشريف، وانتقل منها إلى الرفيق الأعلى. فالمدينة مختارة لمن اختاره الله من خلقه في حياته ومماته55.
38 ـ دار الإيمان:
وضحنا في الرقم السادس علة إطلاق لفظة «الإيمان» على المدينة ولكن هذا الاسم ورد في الأحاديث مع الهيئة التركيبيّة مثل قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «المدينة قبّة الإسلام، ودار الإيمان …»56.
39 ـ دَارُ السُّنَة:
هي المكان الذي تجلّت فيه الشريعة الإسلاميّة، والسّنة المحمّدية الغرّاء وكملتا، وعمل بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسلمون الأوائل57.
40 ـ دارُ السَّلامَة:
المدينة هي مأمن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) حيث أنعم الله بالسّلامة والسّكينة عليه خصوصاً، وعلى المؤمنين عموماً، وهذا معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أنا في جُنَّة حصينة»58 أو «رأيت أنّي في درع حصينة …».
41 ـ ذَاتُ الحُجَر:
حُجَر وحُجَرَات جمع للحُجْرَة من البيوت، وهي كالغرفة تُجمع على غُرَف وغُرَفات والمدينة تشتمل عليها59.
42 ـ ذَاتُ الحَرَار:
الحِرار جمع حَرَّهْ وهي حجارةٌ سُودٌ. والمدينة تحتوي على كثير منها60.
43 ـ ذَاتُ النَخْل:
لاشتمال المدينة على نخيل كثيرة كما نشاهدها، ومن ثمّ جرى هذا الاسم على لسان «ابن التوأم الحميري» و «عمران بن عامر» بدلا عن المدينة. وأيضاً عبّر عن المدينة بذات النخل في الرواية النبويّة «أريت دار هجرتي ذات نخل وحَرَّة»61.
44 ـ السَّلِقَة:
نقله أبو عبد الله محمّد بن أمين المشتهر بـ «الأقشهري» عن التوراة، وسُميّت المدينةُ بها لاتساعها وتباعد جبالها62.
45 ـ سَيَّدَةُ البُلْدَان:
المدينة هي أفضل بقاع الأرض بعد مكّة المكرّمة; لأنّها مدفن سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وآله).
وكتب أبو نعيم الأصبهاني في كتاب «حلية الأولياء» أنّ عبد الله بن عمر لمّا أراد أن يدخل المدينة، وقف أمامها فنادى: «يا طيبة يا سيدة البلدان»63.
46 ـ الشَّافِيَة:
سمّيت بهذا الإسم لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «تُرابُها شِفاء من كلّ داء»64، وذكر ابن مُسْدِي65: يستشفي المحموم حينما تُعَلَّقُ أسماءُ المدينة على عاتقه.
وروى ابن الأثير عن سعد … لمّا رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من غزوة تبوك، واجه (صلى الله عليه وآله) رجالا من المتخلّفين المسلمين، فأثاروا غباراً، فخمَّر بعض من كان مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنفه، فأزال رسول الله (صلى الله عليه وآله) اللثام عن وجهه وقال: «والذي نفسي بيده إنَّ في غبارها شفاءً من كلّ داء»66.
47، 48، 49، 50، 51 ـ طابَة، طَيْبَة، طَيِّبَة، طَائب، مُطَيِّبَة:
الأسماء الخمسة من مادّة واحدة وتختلف صيغها ومصادرها; لأنّ ابن شُبَّة حينما ذكر ـ الأولى والثانية ـ اعتمد على الحديث النبوي67. وأمّا الثلاثة الأخيرة فهي مرويّة عن التوراة، كما نقلها وهب بن مُنَبِّة68.
قال السمهودي: هذه الأسماء الخمسة مبتنية وموافقة لقول الله ـ عزّوجلّ ـ وهو: (حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيِّبَة)69 فكانت الريح الطيّبة جزاءً لمناجاتهم بعد خوفهم في الفلك وهذه الريح الطيّبة هي فرحة تامّة ومسرّة قويَّة70، فتسمية المدينة بهذه الأسماء الخمسة؛ لطيب تربتها ـ لمن دخل فيها، وطهارتها من الكفر والأرجاس71.
52، 53 ـ طِبَابَا، ظِبَابَا:
قال ياقوت الحموي: طِبَابَا من أسماء المدينة حيث يطلق على الأرض المستطيلة، وأيضاً على الطريق والثوب وغيره، فإنّ المدينة سمّيت بذلك لأنّها كذلك72.
فإن كانت بالظاء المعجمة: فمن ظَبَّ وظبظب: إذا حمَّ حيث كانت المدينة محمومة إذا دخلها أحد ابتلى بالحمّى فنقل الله ـ سبحانه ـ حمّاها إلى مُهَيْعَة بدعائه(صلى الله عليه وآله)73.
54 ـ العاصِمـة:
سمّيت بذلك لأنّ المدينة عصمت المهاجرين من كيد المشركين. وهي حصن الإسلام والمسلمين. وكان المسلمون يعتصمون بها، وقيل: معنى العاصمة المعصومة، لعصمتها قديماً بجيوش موسى وداود (عليهما السلام)حيث إنّهم مبعوثون إلى مَن كان فيها من الجبابرة74، أو لعدم دخول الطاعون والدّجال فيها، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله»75.
55 ـ العَـذرَاء:
والدليل على تسميتها بالعذراء لصعوبتها وامتناعها على الأعداء حتّى تسلّمها رسول الله (صلى الله عليه وآله)وهو المالك، وهي منقولة عن التوراة على ما رواه إبراهيم بن أبي يحيى: إنّ هذا الاسم مع أسماء أخر مذكورة في الكتب السماوية76.
56 ـ العَرَاء:
سمّيت بهذا الاسم لعدم ارتفاع أبنية المدينة في السماء، حيث إنّ المسلمين حاولوا أن لا ترتفع أبنيتهم على بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومسجده، ومن ثمّ تُشبه المدينة بالناقة العراء الّتي لا سنام لها أو لصغر سنامها77.
وقال الأزهري: العُرى سادات الناس الذين يعتصم بهم الضعفاء، ويعيشون بعرفهم، ومن حيث إنّ المدينة صارت محتماً للمستضعفين بعد مهاجرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) لكي يصبحوا سعداء، فسميّت بالعُرى78.
57 ـ العَرُوض:
وهو كصَبور يطلق على أرض منخفضة، تكون فيها أودية السيول والمدينة كذلك; ولذا تُسمّى بالعَروض لأنّها من بلاد نجد، ونجد كلّها على خطّ مستقيم طولا، والمدينة معترضة عنها ناحية، وقال ابن سيدة: والعَرُوض مكّة والمدينة79.
58 ـ الغَرَّاء:
هي تأنيث الأغرّ أي الغُرَّة وهي البياض في الجبين، أو بمعنى الرجل الكريم والوسيم، أو يوم شديد الحَرّ، والغَرّاء: هي نبت طَيِّبُ الريح، والسيدة الكبيرة80.
والمدينةُ سادتِ البلادَ; لأنّ فيها الكرامة والفضيلة والبركة و.. وهي صفات مرموقة تسبّب تفوُّقها على سائر البلاد.
59 ـ غَلَبَة:
كانت المدينة تدعى في الجاهليّة «غَلَبَةْ» لأنّ إليهود نزلت على العمالقة فغلبتهم عليها، ثمّ نزلت الأوس والخزرج على إليهود فغلبوهم عليها. وبعد ظهور الإسلام نزل المهاجرون على الأوس والخزرج فغلبوهم عليها81.
وقيل: سمّيت المدينة بالغلبة لظهورها واستيلائها على الأقطار من المدائن والأمصار82.
60 ـ الفاضِحَةْ:
نقل عن كُراع: لا يمكن لأحد أن يعيش في المدينة، ويكتم عقائده الفاسدة، بل يفتضح ويُبان ما في ضميره. وهذا هو أحد المعاني للحديث النبوي الشريف حيث قال (صلى الله عليه وآله): «إنّما المدينة كالكير تنفي خبثها وينصع طيبها»83.
61 ـ القَاصِمَة:
هي منقولة عن التوراة، حيث إنّ المدينة قصمت كلّ جبّار عناها، ومتمرّد دخل عليها، وهذا المضمون مذكور في الحديث النبوي: «من أراد أهل المدينة بسوء، أذابه الله كما يذوب الملح في الماء»84.
62 ـ قُبَّةُ الإسلام:
هذا الاسم مأخوذ عن الرواية التي نقلها الهيثمي وهي: «المدينة قبّة الإسلام، ودار الإيمان …» ذكرناها في الرقم «3»85.
63، 64 ـ القَِريَة، قَِرْيَة الأَنصَار:
قَِرْيَة ـ بفتح القاف وكسرها ـ تطلق على مدينة تتناول حوائج سكّانها، وأهل اللغة يعبّرون عنها بـ«المصر الجامع»86.
والقرية تطلق على المدن الصغيرة والكبيرة كما قال الله ـ عزّ وجلّ: (وقالوا لولا نُزِّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم)87.
قال الطبرسي (رحمه الله): يعنون بالقريتين: مدينتي مكّة والطائف88. وإنّ القرية استخدمت في القرآن الكريم ثلاث وثلاثين مرّة، وعنيت فيها المدن والأمصار.
غير أن هذا الاسم جرى على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله)وقال: «إنّ الله قد طَهَّرَ هذه القرية من الشرك»، وأشار (صلى الله عليه وآله)بيده إلى المدينة89.
وقال أهل اللغة أيضاً: المدينة هي قرية الأنصار.
65 ـ قَلْبُ الإيمان:
لما أورده ابن الجوزي في الحديث النبويّ: «المدينة قبّة الإسلام، قلب الإيمان و …»90 وهذه هي الرواية الّتي نقلها الهيثمي، إلاّ أنّه زاد فيها: «قَلْبُ الإيمان».
66 ـ المُؤْمِنَة:
لما نقله ابن زبالة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قال (صلى الله عليه وآله): «والذي نفسي بيده، إنّ تربتها لمؤمنة»، ثمّ قال ابن زبالة: «هذا الاسم «المؤمنة» مكتوب في التوراة»91.
67 ـ المُبَارَكَة:
لدعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما نزل المدينة، قال أنس: وقف النبي (صلى الله عليه وآله) أمام بيت أبي أيوب الأنصاري، وقرأ هذه الآية الكريمة92: (ربّ أنزلني منزلا مباركاً وأنت خير المنزلين)93. ومن ثمّ سميت المدينة بـ«المبارك» أو «المباركة».
68 ـ مَبْوَأ ومبيّن الحلال والحرام:
المدينة هي محلّ تمكّن هذين الحكمين واستقرارهما، ومحلّ بيانهما، حيث قال النبي (صلى الله عليه وآله):
«المدينة قُبَّةُ الإسلام.. ومبوأ الحلال والحرام» وأيضاً ورد: «مبيّن الحلال والحرام» نقلهما الطبراني وابن الجوزي كما قدّمناه في الرقم «3».
69 ـ المَجْبُورَة:
هي منقولة عن التوراة وستأتي مفصلا94.
70 ـ المَحْبُورَة:
وهي من الحَبْر بمعنى الجمال وفي الحديث: «يخرج رجل من النار ذهب حَبْرَه» أي جماله وسحناؤة. والتحبير: التحسين الّذي يسرُّ به، وقال الله العظيم (… فهم في روضة يُحبرون)95 جاء في مجمع البيان اختصاص هذه الحالة بالمؤمنين في روضة وهي الجنّة، أحسن شيء، لا يوجد مثلها عند العرب96.
والِمحْبار من الأرض السريعة النبات الكثيرة الخيرات. والمدينة محبورة لأنّ فيها نعم الله مع السرور والخيرات الكثيرة. وقد لقّب رسولنا الكريم بـ (المحبور) كما جاء في دعاء النّور المروي عن سلمان الفارسي (رحمه الله) عن فاطمة الزهراء (عليها السلام) قالت: علّمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا الدعاء: «بسم الله النور بسم الله الذي يقول للشيء كن فيكون … بسم الله الذي أنزل النور على الطور بقدر مقدور في كتاب مسطور على نَبيّ مَحْبُور»97.
71 ـ المَحْرُوسَة:
لأنّ المدينة تُحرَسُ بالملائكة. روى الجندي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «المدينة مشتبكة بالملائكة على كلّ نقب منها ملك يحرسها»98.
في هذا الحديث حراسة الملائكة تتعلّق بالنقب; لأنّ النقب طريق في الجبل، والعدو يتسلّل منه، وحينما كانت الطرق الجبليّة محفوظة فالمدينة محروسة.
72 ـ المَحْفُوفَة:
وأيضاً تُسمى محفوفة: لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «المدينة ومكّة محفوفتان بالملائكة على كلّ نَقْب منها ملك لا يدخلها الدجال ولا الطاعون»99.
قال الشاعر:
مَحْرُوسَةٌ مِنْ كُلِّ رجس طارقِ / ودخول دجّالِ وطعن لاحقِ
فالمرأ فيها ذُو فؤاد واثِق / هذي محاسنها فهل من عاشقِ
كَلِف شَحِيح باخِل بِنَواها100
73 ـ المَحْفُوظَة:
المدينة محفوظة بإرادة الملك الدَيّان كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «القُرى المحفوظة أربع: المدينة ومكّة، إيليا ونجران»101.
74 ـ مُدْخَـلَ صِـدق:
(… ربِّ أدخلني مُدْخَل صدق وأخرجني مُخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً)102. ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآية الكريمة أربعة أقوال. ثانيها: أنّ معناه أدخلني المدينة وأخرجني منها إلى مكّة للفتح. ونسبه إلى ابن عباس والحسن البصري وقتادة وسعيد بن جبير103.